
رادار 360 _ معاذ خلف
تنطلق الثورة في معناها المتعارف عليه بأهداف و محددات معينة ، يضع هذه الأهداف قائد و من حوله مجلس لقيادة الثورة و التي تعكس رغبة الشعب الثائر على نظام الحكم الذي لم يلبي متطلبات حياتهم ، ان كانت حرية تعبير و رأي ، او رفاهية الحياة ، او الخلاص من الاضطهاد و الظلم .
ثورات الربيع العربي التي انطلقت في العام 2011 ، لم تكن تملك اي من هذه المقومات ، فلم يكن لها قائد واضح في اي من الدول ، ولم يكن لها طلبات منطقية تجعل من الشعب يثور على الحاكم لا سيما ان مقياس الحرية و الديموقراطية وهو الشعار الذي رفعه الغرب لقيادة تلك الثورات هو مقياس نسبي و من الصعب تطبيقه في دول العالم الثالث .
كانت الثورات بإيعاز أمريكي غربي ، و كان لها أهداف مستترة غير المعلن عنها ، فما حدث في دول الربيع العربي كان عكس ما أعلن عنه ، فقد أعلنوا عن الحرية والأمن ووجدنا سلطة المليشيات المسلحة ، أعلنوا عن الديموقراطية و تفاجأنا ان البرلمان و السلطة التنفيذية في ليبيا ترفض ترك الحكم منذ عشر سنوات مضت ، أعلنوا عن التنمية و الرخاء ووجدنا ان نسبة الفقر زادت ، والتضخم و غلاء الاسعار فاق الخيال ، و الدمار زاد و اتسع ، اعلنوا عن النظام و الديمقراطية ووجدنا الدمار و الخراب و الحروب .
هذه الأهداف المعلنة ، اما الأهداف المستترة فكانت هذه الثورات عبارة عن الجيل الرابع و الخامس من الحروب ، بحيث تجعل الدول تدمر نفسها تدمير ذاتي بدعوى الحرية و التنمية و حرية التعبير ، و لعل السبب الأول هو أمن اسرائيل ، و التخلص من الدول و الجيوش العربية التي تشكل خطرا على أمن الكيان .
***
الثورة الليبية كانت في حقيقة الأمر ثورة الناتو ، فمن خرج على القذافي من أبناء ليبيا هم أقلية ، وتمثلهم جماعات متطرفة كان القذافي كان لاحقهم في الماضي و اطلق سراحهم سيف الاسلام ، و ما عداهم هي حربا ضروس خاضها الناتو لإسقاط القذافي ، لذلك لم تتوفر فيها شروط الثورة المتعارف عليها اي لم يكن هناك قائد للثورة ، ولا طلبات منطقية او خلل واضح يستدعي الخروج على ولي الأمر خلافا لعدائه للغرب !
اما ما بعد الثورة و اسقاط القذافي فقد كانت مرحلة الفوضى ، لأنه لا بوصلة توجه الشعب عن المفترض فعله ، فكانت الميليشيات ، ووجود قائد في كل مدينة و كل شارع و كل حارة ، و طبقا لطبيعة المجتمع القبلية فقد كان الخلاف في بدايته قبلي بين قبائل رأت ان الناتو منقذ ، و اخرى رأت انه عدو صليبي اعتدى على بلدا كان أمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا ، ثم انتقل الخلاف و الشقاق بعد مصالحة قبلية الى خلاف جغرافي و ايديلوجي فكان خلاف جغرافي بين شرق ليبيا و غربها ، و خلاف ايديلوجي من حيث ماهية سلطة الحكم عسكرية ام مدنية بطابع الاسلام السياسي ، ولازال هذا الخلاف مستمرا الأن مع ضلوع الدول العظمى التي تغذيه و تزيد الشقاق بين أبناء الوطن الواحد ، رغم أن الحل يمكن ان يكون حل سياسي و بسيط جدا في حال كانت هناك ارادة لدى الليبيون و المجتمع الدولي .
***
في سوريا قامت الثورة و استخدم الأسد القوة المفرطة لردعهم و كان هناك تدخل ايراني روسي مفتوح لصالح النظام ، وتدخل امريكي غربي محدود ضد الجماعات الإسلامية مثل داعش و القاعدة التي خرجت عن نطاق الطرفات المتصارعان الأسد و المعارضة ، ووفق تفاهمات أممية معينة توقفت الحرب وتحول الصراع الى صراع سياسي مستتر ، انتهى بتخلي الأسد عن الرئاسة و تسلم المعارضة مقاليد الحكم .
سوريا كدولة مقارنة مع ليبيا من حيث الموقع الجغرافي فظروفها أصعب من ليبيا ، حيث هناك حدود مستباحة من قبل كل من تركيا و اسرائيل خلافا للمكون المجتمعي الذي يحتوي على العديد من الطوائف ، ولو اخذنا في الحسبان ان الطوائف هي مقابل القبائل في ليبيا فنحن بذلك نظلم ليبيا ، لأن الخلاف بين القبائل ايديلوجي ، اما الخلاف بين الطوائف فهو ايديلوجي و عقائدي و ديني ، و هنا مهمة استتباب الأمن في سوريا ستكون صعبة او مشابهه للعراق الى حد كبير ، فمن دول وجود جيش قوي رادع يسيطر على وحدة البلاد و أمنها، لن تكون المهمة سهلة بل ستؤول لنفس اخطاء العراق بعد سقوط صدام حسين و الفوضى ، اما التدخلات التركية الاسرائيلية فلن يكون الحل خوض حروبا جديدة ، بل حلها دبلوماسيا في نطاق المجتمع الدولي و الأمم المتحدة و مجلس الأمن .
في وجهة نظري مازالت القوى المختلفة بما فيهم الأكراد ترتب نفسها و تعيد ترتيب صفوفها بعد رحيل الأسد المفاجئ ، و قد تطرأ تغيرات سورية محلية عسكرية في اي لحظة سواءا من قبل داعش او الأكراد و بقايا النظام السابق ، و لن يكون هناك حلا لردعها سوى تكوين جيش قوي يحكم السيطرة على الأرض .
معاذ خلف