دراسات و تقارير

حقوق الأسرى والمدنيين تحت الاحتلال في القانون الدولي ومشروع القانون الإسرائيلي بإباحة إعدام الأسرى وإبعاد الفلسطينيين

حقوق الأسرى والمدنيين تحت الاحتلال في القانون الدولي ومشروع القانون الإسرائيلي بإباحة إعدام الأسرى وإبعاد الفلسطينيين

إعداد: أ. د. أحمد مبارك الخالدي

بادر بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu الذي شكَّل الحكومة الأكثر تطرف في تاريخ الكيان الصهيوني منذ 1948 بالموافقة على طلب الوزيرين المتطرفين إيتمار بن جفير Itamar Ben-Gvir وبتسلئيل سموتريتش Bezalel Smotric؛ الذين يتوليان أخطر وزارتين في حكومته، بأن يقوما بالترويج لإقرار قانون يبيح  للإسرائيليين من جيش وشرطة ومستوطنين بارتكاب جرائم الحرب، وجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم إبادة، وجرائم عدوان وإبعاد الفلسطينيين عن وطنهم؛ الذين يقاومون الاحتلال الغاصب لوطنهم، ضارباً عرض الحائط بأحكام القانون الدولي، كما يبيح قتل الأسرى منهم، ويبيح ارتكاب تلك الجرائم حتى ضدّ المدنيين الذين يفترض الاحتلال أنهم سيشكلون خطراً عليه في المستقبل.

وهكذا فإن مشروع القانون جاء ليصبغ المشروعية على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضدّ الفلسطينيين، فالمشروع يبيح للإسرائيليين ارتكاب جريمة الإعدام الميداني للمقاومين الفلسطينيين للاحتلال، بالوسائل المشروعة في القانون الدولي لمقاومة المحتل، بدون محاكمة نظامية حقيقية وعادلة، وإبعاد الفلسطينيين عن موطنهم الأصلي، وهدم البيوت التي يسكنها المقاومون وأهليهم، ولو أدى ذلك إلى قتل المدنيين، وخير شاهد على ارتكاب الاحتلال لمثل تلك الجرائم:

1. إدانة المبعوث الأممي للشرق الأوسط تور وينسلاند Tor Wennesland قيام أحد جنود الاحتلال بإعدام الشاب عمار مفلح في حوارة جنوب نابلس في 3/12/2022، ودعوته إلى “إجراء تحقيق كامل وفوري في مثل هذه الحوادث”.

2. شهادة أخرى على مخالفة الكيان المحتل لأحكام القانون الدولي بعدم قيام سلطات الاحتلال بمحاكمة جدية لمرتكبي جرائم القتل للفلسطينيين في مدنهم داخل الكيان الإسرائيلي؛ ما ذكرته مراسلة صحيفة هآرتس Haaretz العبرية أنه خلال سنة 2022 تمّ قتل نحو 111 عربي في الأراضي التي احتلتها العصابات الصهيونية وأقامت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تنظر المحاكم الإسرائيلية في سوى خمس قضايا فقط.

3. قيام دولة الاحتلال بأسر الفلسطينيين وإبقائهم في الأسر الاداري بأوامر عسكرية يجددها كيف يشاء. ولقد وصلت في هذه الأيام قائمة الأسرى الذين مضى على احتجازهم في السجون الإسرائيلية أكثر من عشرين عاماً 365 أسيراً، وقرابة الألف أسير إداري، حيث يُحتفظ بعدد كبير منهم في زنازين بدون محاكمة جدية عادلة، وبدون رعاية طبية، مما أودى بحياة عدد منهم. وكل هذه الأعمال تخالف أحكام القانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية الصادرة استناداً لها، وتعد من الجرائم الخطيرة التي تهدد الأمن والسلم الدولي. ونذكر على سبيل المثال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 25/40 لسنة 1985 الذي أكّد على حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال، وطالب “إسرائيل” بالإفراج الفوري غير المشروط عن جميع الأشخاص المعتقلين أو المسجونين نتيجة لكفاحهم في سبيل تقرير المصير والاستقلال.

4. قيام قوات الاحتلال، في حالات أخرى عديدة ومتكررة، بمهاجمة مدن وقرى ومخيمات المدنيين العزل، مستخدمة الطائرات المسيرة بدون طيار، وأسلحة متفجرة فتاكة، وتقتل من يعارض دخولها الأماكن المدنية حتى قبل قيامهم فعلياً مقاومة المحتلين الإسرائيليين؛ بذريعة أنهم ينوون القيام بمقاومة المحتل، كما حدث في مخيم جنين في كانون الثاني/ يناير 2023، حيث قتل الاحتلال تسعة أشخاص وجرح العديد من المدنيين من بينهم مسنة ومعلم، وكما حدث في مخيم عقبة جبر بأريحا في 4/2/2023، وكما حدث في نابلس في 22/2/2023. ولقد بلغ عدد الذين أعدمتهم سلطات الاحتلال ميدانياً 65 شهيداً في الفترة 1/1/2023-23/2/2023!

5. انتهاك الاحتلال حرمة من يعدمهم ميدانياً حتى بعد أن أصبحوا لا يشكلون أي خطر على المحتلين بعد قتلهم، واستمراره في احتجاز جثامينهم داخل مقابر الأرقام وثلاجات الموتى؛ إذ يحتجز الاحتلال اليوم أكثر من 370 جثماناً خلافاً لأحكام اتفاقيات جنيف Geneva Conventions لسنة 1949. ويتحدى قادة الاحتلال القانون الدولي واتفاقيات جنيف بالخصوص. ولقد اعترفت القناة 12 العبرية في 23/2/2023 بأن وزير جيش الاحتلال بني جانتس Benny Gantz قرر عدم تسليم جثمان الأسير ناصر أبو حميد إلى ذويه.

هذه أمثلة لما ترتكبه سلطات الاحتلال من جرائم بحق الفلسطينيين، ويريدون بمشروع القانون المقدم للكنيست Knesset إصباغ المشروعية على هذه الجرائم. فما موقف القانون الدولي من هذه الجرائم التي يبيحها مشروع القانون هذا، والتي يريد الاحتلال الإسرائيلي من خلاله شرعنة إعدام الأسرى الفلسطينيين أو إبعادهم عن موطنهم الأصلي أو حرمانهم من حقّ الإقامة فيه، وتحصين دولة الاحتلال وكبار مسؤوليها وجنودها ومستوطنيها الذين يقتلون أو يأمرون بقتل الفلسطينيين، في خطوة ترمي إلى الإطاحة بقواعد القانون الدولي الآمرة الملزمة لكل دول العالم، والمثبتة في اتفاقيات جنيف، وفي الأعراف الدولية المستقرة وتلتزم دول العالم بها؛ والتي لا يمكن إلغاؤها بإرادة منفردة من قبل أي دولة في العالم، فهي قواعد دفعت البشرية ثمنها حياة الملايين من أبنائها عبر السنين حتى وصلت إلى الإقرار بتلك القواعد لمصلحة البشرية جمعاء، وضمنتها الاتفاقيات الدولية التي نذكر منها:

• إعلان بترسبورج Petersburg Declaration لسنة 1868 بشأن حظر استعمال بعض القذائف.

• اتفاقية لاهاي Hague Convention لسنة 1899 بشأن حظر استعمال الرصاص القابل للانتشار أو التمدد في الجسم بسهولة.

• اتفاقية جنيف لسنة 1925 بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب.

• الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية المعروفة باتفاقية لاهاي لسنة 1907.

• اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وملحقاتها في البروتوكلات المتعلقة بها.

• اتفاقية روما بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 التي تضمنت أحكام القانون الجنائي الدولي التي أقرتها الدول الأطراف الموقِّعة على الاتفاقية، وانضمت إليها دول عدة.

ولقد ذكرت اتفاقية روما، التي أقرت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وفصلت في بيان الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها القانون الدولي. وسنشير إلى قواعد القانون الجنائي الدولي التي نصت عليها اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان تحت الاحتلال بما فيهم الأسرى والجرحى والمرضى، وذلك بعد الإشارة إلى حقوق الإنسان والأسرى والمرضى والجرحى منهم وغير المرضى والجرحى في القانون الدولي.

ومن المهم تحديد الأطر القانونية الدولية التي تحدد مصادر قواعد القانون الدولي التي تتضمن أهم أحكام القانون الدولي التي تحمي حقوق الإنسان والأشخاص المحميين، وهم المدنيين تحت الاحتلال، والأسرى الجرحى والمرضى وغير المرضى أو الجرحى منهم.

ولقد جاء في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، تحديداً لمصادر الأحكام في القانون الدولي التي تعتمدها محكمة العدل الدولية وتطبقها للفصل في المنازعات الدولية أن وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن:

• الاتفاقات الدولية العامة أو الاتفاقات الدولية الخاصة؛ التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.

• العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلّ عليه تواتر الاستعمال.

• مبادىء القانون العامة التي أقرتها الدول المتحضرة.

• أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.

وهذا يعني أن ليس لأي دولة بإرادتها المنفردة أن تلغي أو تعدل أو تغير في أحكام القانون الدولي التي أقرتها دول العالم، منذ نشأة النظام الدولي في العالم، وخصوصاً في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين، وضمنت تلك الأحكام في اتفاقيات دولية عامة أو خاصة، والتي اعتمدتها كمصادر للقانون الدولي ملزمة لجميع الدول التي قبلتها بانضمامها إلى عهد عصبة الأمم ثم ميثاق الأمم المتحدة.

وسنركز في هذه الورقة على استعراض أهم أحكام القانون الدولي المستمدة من الاتفاقيات الدولية، وبيان ما تقرره تلك الأحكام من حماية لحقوق الإنسان عامة والأسرى والجرحى والمرضى منهم، والأشخاص المدنيين المحميين في الأراضي المحتلة. وسنعتمد بصفة رئيسية على اتفاقات جنيف الدولية الأربع لسنة 1949 وملحقاتها بالخصوص، ثم نشير إلى الحماية الجنائية الدولية التي قررتها اتفاقية روما التي وضعت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998.

أولاً: حقوق الأسرى والمدنيين تحت الاحتلال، ومسؤولية الدولة الآسرة، وعدم قابلية التنازل عنها في اتفاقات جنيف:

1. سريان أحكام الاتفاقيات على الأسرى المقاومين للاحتلال:

من حيث نطاق سريان أحكام تلك الاتفاقيات في السلم والحرب، نصت المادة الثانية في كل اتفاقيات جنيف الأربع إنه علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق أحكام هذه الاتفاقيات في حالة الحرب المعلنة، أو في حال أي اشتباك مسلح آخر.

وجاء في نص الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان (اتفاقية جنيف الأولى)، وتكرر النص على الحكم ذاته في الفقرة الثالثة من المادة الثانية في اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار (اتفاقية جنيف الثانية)، واتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب (اتفاقية جنيف الثالثة)، واتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (اتفاقية جنيف الرابعة)، ما يؤكد على أنه إذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقيات فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملزمة لها، كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقتها. وحتى بالنسبة للدولة التي ليست طرفاً في الاتفاقية أو لم تنضم لها، فقد أكملت اتفاقية روما بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية النص على أن للمحكمة الجنائية الدولية النظر في مساءلتها عن مخالفتها لأحكام الاتفاقيات الدولية التي هي أساس القانون الدولي؛ إذا أحال إليها المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب النظر في جرائم وقعت في أثناء نزاع معين كما سنبين لاحقاً.

والحقوق للأسرى والجرحى والمرضى الذين تحت سيطرة العدو نصت عليها اتفاقيات جنيف الأربع؛ فقد نصت المادة الثالثة في الفقرة د في كل الاتفاقيات الأربع على: تلتزم الدولة التي يقع تحت سيطرتها أسرى أو مرضى أو جرحى بأن لا تصدر الأحكام وتنفذ العقوبات “دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة”.

وقد عرفت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، بأن أسرى الحرب:

“هم الأشخاص الذين ينتمون الى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:

1. أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات، أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.

2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوافر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:

أ. أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه،

ب. أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها عن بعد،

ج. أن تحمل الأسلحة جهراً،

د. أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.

3. أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولائهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.

4. الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها،…. شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها،

5. أفراد الأطقم الملاحية…. التابعة لأطراف النزاع الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أحكام أخرى من القانون الدولي،

6. سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها”.

وهذه الشروط متوفرة لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة المدنيين منهم ومن يقاومون الاحتلال، الذين تعترف لهم قواعد القانون الدولي والقرارات الدولية الصادرة وفقاً لها من منظمة الأمم المتحدة التي تضم كل دول العالم؛ بالحق في مقاومة الاحتلال بكل السبل للتحرر وتقرير المصير؛ ونذكر على سبيل المثال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2787 لسنة 1971 والذي نقتطف مما جاء فيه:

“وإذ تؤكد رسمياً من جديد أن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي والسيطرة والاستغلال الاستعماري يشكّل انتهاكاً لمبدأ تقرير المصير، وإنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة،…..
وإذ تؤكد أن الاستعمار بجميع أشكاله ومظاهره، بما في ذلك أساليب الاستعمار الجديد، يشكّل تعدياً صارخاً على حقوق الشعوب وحقوق الإنسان والحريات الأساسية،…..
وإذ تؤكد من جديد ما لجميع الشعوب، ولا سيّما شعوب زمبابوي، وناميبيا، وأنغولا، وموزامبيق، وغينيا (بيساو)، والشعب الفلسطيني، من حقوق غير قابلة للتصرف في الحرية والمساواة وتقرير المصير وشرعية كفاحها في سبيل إقرار هذه الحقوق،…..

1. تؤكد شرعية كفاح الشعوب في سبيل تقرير المصير والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاستعباد الأجنبي،…. والشعب الفلسطيني بكل ما في متناولها من وسائل متمشية مع ميثاق الأمم المتحدة،

2. وتؤكد الحق الأساسي لكل إنسان في النضال في سبيل تقرير شعبه لمصيره بنفسه عندما يكون شعبه رازحاً تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية،

3. وتناشد جميع الدول المتعلقة بمثل الحرية والسلم تقديم كلّ مساعدة سياسية ومعنوية ومادية للشعوب التي تكافح في سبيل التحرر وتقرير المصير والاستقلال وضدّ السيطرة الاستعمارية والأجنبية،”

وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة حقوق الشعب الفلسطيني في العديد من قرارات المجتمع الدولي؛ من ذلك قرار الجمعية العامة رقم 82/46 لسنة 1991 الذي دان سياسات “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطالبها بالانسحاب الكامل منها والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.

كما أن مجلس الأمن في القرار رقم 252 لسنة 1968 والقرار رقم 267 لسنة 1969 طالب الكيان الإسرائيلي بإلغاء جميع قراراته بضم القدس وأراضٍ فلسطينية أخرى عقب عدوانها سنة 1967، والذي أسفر عن احتلالها كامل أراضي دولة فلسطين التاريخية بحدودها في عهد الانتداب البريطاني على دولة فلسطين، التي نظمتها أحكام دستور 1922، الذي وضعه ملك بريطانيا وأعلنته سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين آنذاك.

وبالنسبة لمن يقاومون الاحتلال وتسري بحقهم اتفاقيات جنيف، تكرر النص على الإقرار بالأوصاف ذاتها لمن تشملهم اتفاقيات جنيف الدولية بالحماية في حكم الفقرة السادسة من المادة 13 من اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية. وأضافت المادة الرابعة الأشخاص الذين كانوا يتبعون للقوات المسلحة للبلد المحتل إذا رأت دولة الاحتلال اعتقالهم بسبب هذا الانتماء.

2. سريان اتفاقيات جنيف على المدنيين في الأراضي المحتلة:

قررت المادة الخامسة من اتفاقية جنيف الأولى أن الاتفاقية تنطبق على الأشخاص المحميين الذين يقعون في قبضة العدو إلى أن تتم إعادتهم إلى أوطانهم. وكذلك نصت المادة الخامسة من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب على أن تنطبق هذه الاتفاقية على فئات الأشخاص المشار إليهم في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب، ابتداء من وقوعهم في يد العدو إلى أن يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى الوطن بصورة نهائية.

وبالنسبة للأشخاص المدنيين المحميين في الاتفاقية، فالمادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب عرَّفت الأشخاص المحميين بأنهم “الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها”.

كما قررت المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة:
“لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة”.

3. مسؤولية الدولة الآسرة في القانون الدولي:

أ. حماية حقوق الأسرى في القانون الدولي:

فيما يتعلق بحماية الحقوق المقررة للجرحى والمرضى والغرقى فقد نصت المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، وهي مضمون الحقوق ذاته التي تقر بها المادة 12 من اتفاقية جنيف الثانية المتعلقة بتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار؛ حيث نصت المادتان على أنه يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار اليهم في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة، وهم الفئات نفسها التي ذكرت في المادة 13 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 13 من اتفاقية جنيف الثانية.

ولقد قررت المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى والثانية والمادة 13 من اتفاقية جنيف الثالثة؛ أن على طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته جرحى أو مرضى أو أسرى أن يعاملهم معاملة إنسانية، وأن يعتني بهم دون تمييز ضار على أساس الجنس أو العنصر أو الجنسية أو الدين أو الأراء السياسية أو أي معايير مماثلة أخرى. وأنه يحظر على طرف النزاع الذي تحت سلطته جرحى أو مرضى أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم، وعلى الأخص عدم قتلهم أو إبادتهم أو تعريضهم للتعذيب، أو لتجارب طبية، أو تركهم عمداً دون علاج أو دون رعاية طبية، أو إيجاد ظروف من شأنها أن تعرضهم لمخاطر العدوى بالامراض أو تلوث الجروح.

كما أوجبت المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 14 من اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بأسرى الحرب أن تعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الخاص الواجب إزاء جنسهن.

ووفقا لحكم المادة 14 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 16 من اتفاقية جنيف الثانية؛ فإن الجرحى والمرضى من الفئات التي حددتها المادة 13 في كل من اتفاقية جنيف الأولى والثانية، وهي الفئات نفسها التي ذكرت في المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة، بأن الذين يقعون في أيدي العدو يعتبروا أسرى حرب، سواء المرضى والجرحى وغير المرضى والجرحى منهم، وتنطبق عليهم أحكام القانون الدولي المتعلقة بأسرى الحرب.

ب. مسؤولية الدولة الآسرة والتزاماتها برعاية الأسرى:

قررت المادة 12 من اتفاقية جنيف الثالثة بالنسبة لأسرى الحرب الذين يكونون تحت مسؤولية الدولة التي تأسرهم، تكون الدولة الآسرة هي المسؤولة عن المعاملة التي يتلقاها الأسرى بالإضافة إلى المسؤولية الفردية لأفراد الوحدات العسكرية التي أسرتهم.

وكذلك وفقاً للمادة 15 من اتفاقية جنيف الثالثة، فإن الدولة التي تحتجز أسرى حرب تتكفل بإعاشتهم دون مقابل، وأن عليها أن تقدم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالة الأسرى الصحية مجاناً. كما أن مسؤولية الدولة التي تحت سلطتها أسرى حرب وفقاً للمواد 25 و26، و27، و29 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة تشمل التزامها بتوفير الرعاية الطبية والمأوى الملائم والغذاء؛ بأن تكون وجبات الطعام الأساسية اليومية كافية، من حيث كميتها ونوعيتها وتنوعها، لتكفل المحافظة على صحة أسرى الحرب في حالة جيدة، وأن تزود أسرى الحرب بكميات كافية من الملابس والملابس الداخلية والأحذية الملائمة لمناخ المنطقة التي يحتجز فيها الأسرى، وأن تراعي استبدال وتصليح الأشياء سالفة الذكر بانتظام.

ومن بين ما قررته اتفاقية جنيف الأولى لحماية الأسرى الجرحى والمرضى في المادة 35؛ التزام أطراف النزاع بوجوب احترام وحماية وسائل نقل الجرحى والمرضى أو المهمات الطبية، وأن هذه الوسائل التي تقع في قبضة الخصم فإنها تخضع لقوانين الحرب، كما يتكفل طرف النزاع الذي يأسرها بالعناية بالجرحى والمرضى الموجودين في جميع الحالات.

وفي حالة وفاة أي جريح أو مريض لدى طرف النزاع، فقد قررت المادة 17 من اتفاقية جنيف الأولى أن على أطراف النزاع التحقق من أن الميت قد دفن باحترام وطبقاً لشعائر دينه، وأن مقابرهم تحترم، وأن تميز بكيفية تمكن من الاستدلال عليها لنقلها إلى بلد المتوفى حالما تسمح الظروف، وبأقصى حدّ عند تبادل إدارات أطراف النزاع الاتفاق. وقد فصَّلت المادتان 120، و121 من اتفاقية جنيف الثالثة التزامات الدولة التي يتوفى لديها أسرى حرب، وأنه إذا أثبت التحقيق إدانة شخص أو أكثر وجب على الدولة الحاجزة اتخاذ جميع الإجراءات القضائية ضدّ الشخص أو الأشخاص المسؤولين. وكل هذه الأحكام تخالفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة لمن تقوم بقتلهم في مداهماتها للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وتقوم بدفنهم في مقابر بالأرقام، ولا تقدم أي بيانات بأسمائهم وأماكن دفنهم، وفي حالات كثيرة تحتفظ بجثث كثير منهم في ثلاجات الموتى ولا تسلمهم لذويهم، بل تحتجزهم لاستكمال قضاء عقوبة السجن التي تقررها سلطاتها العسكرية.

ج. عدم جواز التنازل عن الحقوق في اتفاقيات جنيف:

ومن هذه الحقوق حقوق المدنيين تحت الإحتلال عامة، والأسرى والجرحى والمرضى منهم، فلا يجوز التنازل عنها جزئياً أو كلياً وفق ما نصت عليه المادة 7 من اتفاقيات جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، واتفاقية جنيف الثانية المتعلقة بالجرحى والمرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، واتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، والمادة 8 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.

وأحكام هذه الاتفاقيات ملزمة وفقاً للقانون الدولي وفقاً للحكم الذي تضمنته المادة 51 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 52 من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة 131 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 148 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ فوفقاً لأحكام تلك المواد لا يجوز لأي طرف أن يتحلل أو يحل طرفاً متعاقداً آخر من المسؤوليات التي تقع عليه أو على طرف متعاقد آخر فيما يتعلق بالمخالفات المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.

ومما يؤكد على إلزامية أحكام هذه الاتفاقيات أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 50 من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة 129 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ حيث جاء الحكم فيها جميعاً أن من لم يلتزم بأحكام هذه الاتفاقيات وأساء استعمالها تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون، أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقيات.

وقد بيّنت المواد 50 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 51 من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة 130 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة المخالفات الجسيمة؛ بأنها تلك التي تقترف بحق أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بهذه الاتفاقيات، والتي تتضمن أحد الأفعال التالية:

• القتل العمد.

• التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية، بما في ذلك التجارب الطبية.

• تعمد إحداث آلام شديدة.

• الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة.

• تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع وبطرق غير مشروعة وتعسفية.

ثانياً: الحماية للأسرى والمدنيين تحت الاحتلال في القانون الجنائي الدولي:

إن ارتكاب الجرائم التي نصت على تجريمها أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وحذَّرت من اقترافها بحق الأسرى والجرحى والمرضى، أو الأشخاص المدنيين الذين يقعون تحت سيطرة الاحتلال، وهم من تسميهم اتفاقية جنيف الرابعة بالأشخاص المحميين، والتي كانت قد فصَّلتها اتفاقيات جنيف وملحقاتها؛ ثم أكدت على الحماية الجنائية لها اتفاقية روما بنظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي، وعدّتها من الجرائم الخطيرة التي تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وقررت مجموعة الدول الموقّعة على الاتفاقية الدولية أنها لذلك لا يمكن أن يمر ارتكاب أي من تلك الجرائم دون عقاب في القانون الدولي. وجاء ذلك صراحة في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

“إن الدول الأطراف في هذا النظام يقلقها أن تراث الشعوب المشترك يمكن أن يتمزق في أي وقت، واضعة في اعتبارها أن الملايين من الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة. وإنها تؤكد أن هذه الجرائم الخطيرة تثير قلق المجتمع الدولي، ولذلك فإنها عقدت العزم على وضع حدّ لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وعلى الإسهام في منع هذه الجرائم. وأنه من أجل بلوغ هذه الغايات لصالح الأجيال الحالية والمقبلة قررت إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة وذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة، وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي، وذلك تصميماً منها على ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة”.

لذلك نصّ نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي في المادة الأولى منه على أن تنشأ محكمة جنائية دولية بهيئة دائمة، لها السلطة لممارسة اختصاصاتها على الأشخاص الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة، والتي هي موضع الاهتمام الدولي. وأنه وفقاً للمادة الرابعة من نظام المحكمة الأساسي؛ فإن للمحكمة شخصية قانونية دولية، ولها الأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق مقاصدها في إقليم أيّ دولة طرف، أو في أي دولة أخرى بموجب اتفاق خاص. أو وفق ما جاء في نص المادة 12 من نظام المحكمة الأساسي أنه إذا طلبت دولة غير طرف في الاتفاقية ووقع في إقليمها السلوك الإجرامي، بعد أن تودع لدى مسجل المحكمة إعلان قبولها ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة من تلك الجرائم.
وبيّنت المادة 5 من اتفاقية روما بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة باعتبارها من الجرائم الأشد خطورة، وموضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وقررت أنه بموجب نظام المحكمة الأساسي فإن لها اختصاص النظر في الجرائم التالية:

1. جريمة الإبادة الجماعية:

عرّفت المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الإبادة الجماعية بأنها أي فعل من الأفعال التي تهدف إلى قتل أفراد الجماعة، أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، أو إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً، أو فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، أو نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.

ومن أبرز الأمثلة على جريمة الإبادة التي ترتكبها سلطات الاحتلال؛ الحصار على كل الفلسطينيين، والحصار المشدد براً وجواً وبحراً على أكثر من مليوني نسمة من سكان قطاع غزة، والهجمات التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، والتي تسفر عن قتل أو جرح العشرات من المدنيين؛ ومن الأمثلة على ذلك المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نابلس في 22/2/2023 والتي قتل فيها أكثر من عشرة أشخاص، وربما يتزايد عدد الشهداء حيث بلغ عدد المصابين 102 شخص، منهم من هم إصاباتهم بليغة، وهم من المدنيين المحميين وفقاً لاتفاقيات جنيف التي دونت أحكام القانون الدولي.

2. الجرائم ضدّ الإنسانية:

وقد بينت المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أي فعل من الأفعال التالية يعد جريمة ضدّ الإنسانية: القتل العمد، والإبادة، والاسترقاق، وإبعاد السكان، أو النقل القسري للسكان، والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، والتعذيب والاضطهاد لجماعة محددة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو أثنية أو ثقافية أو دينية أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لايجيزها، والفصل العنصري.

وكل هذه الأنواع للجرائم ضدّ الإنسانية ارتكبتها وترتكبها سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطيني؛ فالاحتلال طويل الأمد استرقاق، واضطهاد المصلين ومنعهم من الوصول إلى أماكن العبادة في القدس، وضربهم واعتقالهم لمجرد وصولهم إلى المسجد الأقصى، وإحراق المساجد وبيوت المدنيين وأهلها بداخلها، والدعوات التي يتبناها المستعمرون “المستوطنون” بالموت للعرب الفلسطينيين، وهم مسلحون ويعملون تحت حماية وتعاون جنود جيش الاحتلال، وسياسات الاحتلال العملية بالفصل العنصري وجدار الفصل العنصري شاهد مادي عليه. كذلك من الأمثلة على التمييز العنصري وجرائم الهدم حتى ضدّ الفلسطينيين الذي بقوا في موطنهم الأصلي ولم يغادروه سنة 1948، ما قامت به سلطات الاحتلال في 13/2/2023 من هدم منازل أربع عائلات عربية في مدينة عكا يسكنها ما يزيد عن عشرين إنسان وهي مقامة منذ أكثر من 70 عاماً بذريعة أنها أقيمت بدون ترخيص.

3. جرائم الحرب:

لقد بينت المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن جريمة الحرب تعني الانتهاكات الجسيمة لأي من أحكام اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12/8/1949، أو أيّ فعل ضدّ الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة كالقتل العمد أو التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية، أو تعمد إلحاق تدمير واسع بالممتلكات والاستيلاء عليها، أو تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية، أو الإبعاد أو الحبس غير المشروعين، أو الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي، و كذلك تعمد توجية هجمات ضدّ سكان مدنيين (غير مسلحين) لا يشاركون في الأعمال القتالية، أو قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً، أو تعمد تجويع المدنيين بما في ذلك عرقلة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف. أو قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة، أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.

ومن الانتهاكات الجسيمة لأحكام اتفاقيات جنيف التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما قرره الكنيست الإسرائيلي في 23/2/2023؛ المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يحرم الأسرى الفلسطينيين من تلقي العلاج.

ومن الجرائم الجسيمة التي ترتكبها سلطات الاحتلال جرائم هدم البيوت بالمئات فعلى سبيل المثال في القدس وحدها ومنذ بداية سنة 2023 تمت أكثر من 85 عملية هدم.

كذلك أكد بيان الخبراء الأمميين المفوضين من مجلس حقوق الإنسان ارتفاع وتيرة الاحتلال لمنازل الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس.

وأعلنت القناة السابعة العبرية في 14/2/2023 أن سلطات الاحتلال وافقت على بناء 7,032 وحدة استيطانية في جميع مستوطنات الضفة الغربية “غير المشروعة” من 9,409 وحدة تمّ إقرار إقامتها. كل ذلك يؤكد الجرائم الكبرى التي ترتكبها سلطات الاحتلال والتي أكدت على تجريمها أحكام القانون الجنائي الدولي التي جاءت في اتفاقية روما بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ومن الجدير ذكره، أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/8/1949 قد دونت القاعدة القانونية الآمرة الملزمة التي كانت مستقرة في القانون الدولي والأعراف الدولية، والتي تنص على أنه يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة أي كانت دواعي ذلك، وأنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وهو ما عدّته نصوص اتفاقية روما التي أقرت النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية أنه يعد إنتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، وأنه يشكل جريمة حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي الذي اتفقت عليه قوى المجتمع الدولي ممثلاً في الدول الأطراف الموقّعة على الاتفاقية، والتي انضمت إليها العديد من دول العالم.

4. جريمة العدوان:

جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، الذي أنشئت بموجبه الأمم المتحدة، أن واضعي الميثاق يرمون إلى جعل الأعضاء المنضمين له يحترمون الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي. ولقد نصت المادة الأولى من الميثاق أن المنظمة من أول مقاصدها قمع أعمال العدوان، وأن دول المنظمة تقر بالمساواة في الحقوق بين الشعوب بأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وأنه وفقاً للفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق يمتنع أعضاؤها جميعاً عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة أراضي الآخرين. ولقد أكَّدت العديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة على عدم شرعية الاستيلاء على أرض الغير بقوة العدوان.

ومن جرائم العدوان المستمرة ضدّ الشعب الفلسطيني التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي قيامه بإجراءات تمهيدية للاستيلاء على كلّ الضفة الغربية الفلسطينية بقوة الاحتلال، وإلحاقها بما استولى عليه سنة 1948، وإجراءاته الحالية بالضم التي كشفت عنها وصرَّحت بها المصادر الصحفية العبرية، حول قيام الاحتلال الإسرائيلي بالضم التدريجي للضفة الغربية فعلياً بالقوة، وأن حكومة الاحتلال الإسرائيلي قررت نقل صلاحيات الإدارة المدنية التي قررها الاحتلال لها بأوامره العسكرية، وحولت تلك السلطات التي تستند إلى قوة الاحتلال إلى الوزير اليميني الارهابي المتطرف سموتريتش.

ولقد قرر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص المحكمة بالنظر في المساءلة عن جرائم العدوان، فوفقاً لما بينته الفقرة الثانية من المادة 5 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة الأساسي؛ فإن المحكمة تمارس الاختصاص بالنظر في جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين 121 و122، وأنه يجب أن يكون هذا الحكم فيما يتعلق بجريمة بأنها جريمة عدوان متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.

فللمحكمة وفقاً لنص المادة 12 من نظام المحكمة الأساسي أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بتلك الجرائم “الإبادة والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان” التي بينتها المادة 5 من نظام المحكمة الأساسي. فللمحكمة أن تنظر في أي جريمة من تلك الجرائم بناء على:

أ. طلب الدولة التي تصبح طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فلها أن تحيل إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من تلك الجرائم قد ارتكبت.

ب. إذا أحال مجلس الأمن حالة أو أكثر إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

ج. إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15 من نظام المحكمة الأساسي.

د. أو بطلب من الدولة التي وقع في إقليمها السلوك الإجرامي وهي غير طرف في الاتفاقية، ولكن بعد أن تودع لدى مسجل المحكمة إعلان قبولها ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة من تلك الجرائم. وذلك وفق ما جاء في نص المادة 12 من نظام المحكمة الأساسي.

وفي كلّ الأحوال، للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر من تلقاء نفسه التحقيق فيما يتعلق بجريمة من الجرائم المنصوص على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بها وفق نص الفقرة ج من المادة 13 والمادة 15 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي.

وبناءً على نص المادة 15 من نظام المحكمة الأساسي فإنه بالإضافة إلى إمكانية تقديم طلبات إلى المحكمة الجنائية من قبل الدول الأطراف في اتفاقية روما، والدول التي وقع السلوك الإجرامي في إقليمها، فإن للأفراد والجماعات؛ مثل جماعات حقوق الإنسان، أن ترسل إلى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية المعلومات عن ارتكاب جريمة من تلك الجرائم، والمدعي العام يقوم بالنظر في جدية تلك البلاغات عن ارتكاب جريمة أو أكثر من تلك الجرائم، وله طلب معلومات إضافية من الدول أو من أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية أو من أي مصادر أخرى موثوق بها.

وهكذا، فإن الشعب الفلسطيني يملك الحق القانوني في أن تطلب سلطته من المحكمة النظر في الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال أو أن يقوم الأفراد أو منظمات المجتمع المدني بتقديم المعلومات الموثقة عن الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي له الصلاحية لفتح تحقيق في الجريمة، وإذا تحقق من جديتها فإنه يملك إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية لنظرها والفصل فيها وإدانة مرتكبها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى