رادار 360 _ معاذ خلف
“معاداة السامية” مصطلح يتكرر كثيرا خاصة في الغرب كلما تعلق الأمر بمناهضة إسرائيل ، حتى تحول الى نوع من الإرهاب للشعوب الغربية ، و لأن اسرائيل كيان ارهابي بالأساس فقد جعلت من هذا المصطلح هاجس و”بعبع” لكل من يعارض إسرائيل !
مصطلح “معاداة السامية” هو مصطلح يطلق على كل من يعارض الشعوب أصحاب اللغات السامية و منها ” العربية ، و العبرية ، والأشورية ، والفينيقية ، والآرامية” غير أنه في العام 1879 تم تعميم المصطلح في المانيا ليطلق على كل من يكره اليهود ، ثم انتقل التعميم ليشمل كل اوروبا .
عندما بدأ نفوذ هتلر في التعاظم بالمانيا تجاهل تماما هذا المصطلح و لم ينطلي عليه الإرهاب الفكري الذي خلقه اليهود في اوروبا ، فبحسب مذكرات تشيرشل أن هتلر كان يكره اليهود ليقينه التام انهم من خلقوا الوقيعه بين المانيا وفرنسا ، و عندما اراد الإنضمام في بداياته لحزب العمال ، كان القاسم المشترك الذي جمعهم هو كراهية اليهود ، وانهم سبب جل المشكلات التي تعانيها المانيا واوروبا !
و ان عدنا للتاريخ ، فاوروبا كانت أكثر قارة اضطهادا لليهود ، فقد ارتكبت بحقهم “مجازر رينلاند” عام 1096 التي سبقت الحملة الصليبية الاولى ، ومرسوم الطرد من انجلترا عام 1290 ، ومذابح اليهود الأسبان عام 1391، ومجازر اوكرانيا عام 1648، ومذابح اليهود في الامبراطورية الروسية عام 1906 ، وقضية دريفوس عام 1894 في فرنسا ، ثم المحرقة الكبرى في اوروبا في الحرب العالمية الثانية .
لم تحب شعوب العالم اليهود ، بل كانوا يمقتونهم لما كانوا ينسجوه من مؤامرات تستهدف استقرار الدول التي يقطنونها ، الى ان قررت بريطانيا الخلاص منهم ،بوضعهم في دولة عنصرية بإسمهم في قلب الوطن العربي و كان إحتلال فلسطين !
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و خلق دولة اسرائيل بدأ مصطلح “معاداة السامية” يطفو الى السطح من جديد لتخلق الحكومات الغربية لدى شعوبها نوع من التوافق الإلزامي تجاه اسرائيل ، و كلما تجرأ سياسي او مسؤول غربي على معاداة اسرائيل او اللوبي الصهيوني كان يتم استبعاده فورا بحجة “معاداة السامية” حتى اصبح قانون !
منذ العام 1948 وتخلص العالم من اليهود أصبحت غوغائهم وصراعاتهم و مؤامراتهم تدور حول العرب في العلن ، و تقوم الصهيونية العالمية بالعمل في صمت لإختراق مراكز القرار الدولية بأوروبا و امريكا ، لذلك قد نسي او تناست الشعوب الغربية كل ما يدور حول اليهود و اسرائيل و مشكلاتهم بالتالي ان لم يحبونهم فهم على الاقل لا يكرهونهم !
الى ان تحول العالم الى قرية صغيرة بفعل الانترنت وشاهدت الشعوب الغربية ما يحدث في فلسطين من ظلم تاريخي ، و مجازر ، و ابادة جماعية ، حتى تنامت لدى الشعوب الغربية الأحقاد من جديد تجاه الإسرائيليين .
منذ السابع من اكتوبر و المجازر و الإبادة الجماعية و التهجير و تدمير المستشفيات و الجامعات التي ترتكب في غزة ، لم يكف الإعلام الرقمي عن تداول احداث مصورة لما يجري ، وفي كل يوم كان يزداد الحنق من قبل الشعوب الغربية على حكوماتها لدعمها تلك المجازر وقد انطلقت في مظاهرات سلمية رافضة ممارسات اسرائيل اللا اخلاقية!، الى ان وصلت الاحتجاجات لجامعة كولومبيا المرموقة ، التي يدرس بها ابناء صفوة المجتمع والطبقة المرموقة في الولايات المتحدة الامريكية من مجلسي الشيوخ و النواب و الوزراء ، هؤلاء الطلبة التي تعول امريكا عليهم في تولي المناصب القيادية مستقبلا ينطلقون في مظاهرات معادية لإسرائيل و من قلب الجامعة الاولى للوبي الصهيوني في امريكا !
سرعان ما اكال نواب و اعضاء في مجلس الشيوخ و الكونغرس والصقوا بهم تهمة “معاداة السامية” في محاولة لإنقاذ الموقف ، ولكن ماذا يفعل هذا المصطلح امام الفظائع التي انتفضت شعوبكم من اجلها ؟ ماذا يفعل امام 35000 شهيد في 6 أشهر ؟ ماذا يفعل امام تدمير القطاع عن بكرة ابيه ، ثم هل الاعتراض على كل الاحداث السابقة يعد كرها لليهود ام نصرة للحق وللإنسانية!
ايقن الطلاب الامريكيون اخيرا ان “معاداة السامية” هي كذبة كبيرة نسجتها حكوماتهم عليهم حتى تخيفهم ، و انطلقوا نحو الحرية و الثأر ولن يوقفهم عن تحقيق مطالبهم شيء ، و حتى بعد ان اوقفت السلطات الامريكية الاعتقالات بحقهم ، واتجهوا للتفاوض ، فهذا داعم لموقف الطلاب و مطالبهم بوقف الحرب و قطع التعاون الاكاديمي والعسكري و المالي مع الكيان !
انتقلت المظاهرات لمعظم جامعات أمريكا كالنار في الهشيم ، واعداد الطلبة وايمانهم بقضيتهم تتزايد ، ثم انتقلت لجامعات فرنسا ، ولعلها ستنتشر لتصل لمعظم جامعات عواصم الدول الغربية ، وهذا يشكل أكبر ورقة ضغط على الادارة الامريكية و الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل منذ بداية الحرب .
“المظاهرات لا يتم قمعها ، بل يتم معالجة أسبابها ، حقيقة ستصل اليها السلطات في الدول الغربية متأخرا !”