رادار 360 _ معاذ خلف
نتيجة عوامل و متغيرات دولية بدأت تتحطم عزلة كوريا الشمالية شيئا فشيئا ، و هذا لم يكن يوما بسبب تغيير سياسات الدولة او عدائها التاريخي لأمريكا ، بل لأن عالم جديد في طور التشكيل قد تشكل كوريا الشمالية فيه حجر اساس .
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد زوال الإحتلال الياباني أفضت النتائج الى تقسيم دولة كوريا الى شمالية شيوعية و جنوبية رأسمالية ، و كان بطبيعة الحال هناك عداء تاريخي بين الكوريتين تغذيه أمريكا ودول أخرى ، هذا العداء جعل كوريا الشمالية في عزلة تامة نتيجة وقوفها ضد نتائج الحرب و ضد معسكر الحلفاء ، و لعل ان روسيا و الصين و الدول المنافسة للنفوذ الأمريكي في العالم لم يكونوا قادرين في ما مضى على اتخاذ خطوات نحو فك عزلة كوريا الشمالية ، فكانت قرارات العقوبات تقر في مجلس الأمن بقيادة أمريكا مع عدم قدرة روسيا و الصين على ايقافها و مع كل تجربة سلاح فتاك كوري شمالي جديد صاروخي او نووي كانت العقوبات تزداد ويزدد معها اضطرادا عزلة كوريا الشمالية .
بعد الغزو الروسي لاوكرانيا و تمرد روسيا على الغرب و النظام العالمي الحالي نظام القطب الواحد ، اتسعت الخيارات أمام روسيا و الصين نحو صناعة عالم متعدد الأقطاب عسكريا و اقتصاديا ، و بحسابات بديهية شكلت الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم و هي روسيا و الصين و كوريا الشمالية و ايران نواة النظام العالمي الجديد .
قبل زيارة بوتين الى كوريا الشمالية بالأمس في خطوة تاريخية أعلن أننا نقترب من نقطة اللاعودة ، و هنا يقصد العلاقات الروسية الأمريكية و امكانية وضع تفاهمات سلمية حول أزمة اوكرانيا بإخضاع الطرفين لتنازلات ضرورية من أجل حل المشكل ، غير ان الغرب كان دوما يتجه للتصعيد ، و هنا مضى بوتين في خطته لخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ، و قد بدأ بإستقطاب الصين اولا اهم داعم عسكري له في حربه على اوكرانيا ، ثم اتجه الى كوريا الشمالية ليكسر عزلتها ويضمها الى الحلف العسكري الإقتصادي المناهض لهيمنة امريكا و الغرب و لعل اهم ما دار خلال الزيارة هي اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين و الانضمام الى بريكس و مناقشة فك العزلة الدولية عن الشمالية من خلال مجلس الأمن الذي يحظى فيه تحالف بوتين بمقعدين لروسيا و الصين .
“أنوه هنا انه كان بإمكان امريكا و الغرب قطع الطريق على هذا التقارب بين دولتين نوويتين روسيا و كوريا الشمالية عن طريق احتواء التمدد الروسي و ايجاد حل سلمي لأزمة اوكرانيا و هذا ما راهن عليه بوتين حتى وقت قريب، و لكن خطوات الغرب التصعيدية جعلت من التحالف المضاد يصعد ايضا .”
بعد زيارة بوتين الناجحة لكوريا الشمالية أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن زيارة مرتقبة ايضا للشمالية قد تخضع لنفس تفاهمات روسيا .
اذا العالم يتجه نحو تعدد الأقطاب هذه المرة رغما عن أمريكا ، و نواة التحالف الجديد بدت ظاهرة للعيان ، ثلاثة قوى نووية اجتمعت وربما الرابعة في الطريق ، روسيا و الصين و كوريا الشمالية و ايران ، اما ان يغيرون العالم و يتحول النظام العالمي لمتعدد الأقطاب او ان يتعنت الطرفين و يصل العالم الى حرب عالمية نووية قد تنسف الحضارة عن بكرة ابيها .
“يبقى الرهان على قدرة امريكا و الغرب على تطويع موقفهم و استيعاب واحتواء التغيير الذي سيحدث في العالم ، و الا فالنتيجة ستكون مدمرة و غير مرضية لأحد ! “