ليس سهلا أن تعيش في عالم تحكمه نخبة من الأشرار ، وفق قناعاتك و رؤيتك لمفهوم الدولة النموذجية العصرية ، أن تسبق أندادك فكريا بمقدار سنوات ضوئية ، حتى يعجز شعبك ذاته عن فهمك !
تمرد القذافي على النظام الملكي الذي رأى فيه أنه لا يلبي طموح الشعب الليبي ، بسبب سماحه للقواعد الأجنبية بالتواجد داخل البلاد و التبعية لتركيا ، و تقسيم البلاد الى ثلاثة اقاليم ، كما أن الملك كان زاهدا في الحكم ، اي أن وجوده كان نوع من التشريف لا أكثر ، و هنا اسوة بالزعيم جمال عبد الناصر في مصر ، قام القذافي بتشكيل وحدة من الضباط الوحدويون الأحرار التي قامت فيما بعد بالثورة على النظام الملكي ، و لعل أبرز ما يثبت صدق هذا الرجل هو اول خطوة اتخذها بعد سقوط الملك ، و هي طرد القواعد الاجنبية لتنال ليبيا استقلالا على استقلالها و تنفرد بقرارها و سيادتها .
القذافي كان قارئ جيد للتاريخ و الأحداث و ما بين السطور ، فبعد قيامه بالثورة اكتشف ان النظام العالمي تحكمه نخبة من الأشرار لا يمكن ان تكون دولهم نموذجا يحتذى به في ليبيا ، فدحض ديمقراطيتهم المزعومة و أقام نظام جماهيري به ديمقراطية حقيقية و يجسد الفهم المادي و المعنوي لحكم الشعب بالشعب ، و أن التمثيل تدجيل ، لكل مواطن الحق في ابداء رأيه في الشأن العام دون ان يمثله أحد او يسطوا على رأيه أحد ، و هنا ترك القذافي لنماذج الأنظمة الأخرى الإشتراكية و الرأسمالية و الشيوعية لم يكن الا لقصور رآه في تلك الأنظمة تجعل منها غير مقنعة للشعوب ، أعلن القذافي النظام الجماهيري عام 1977 و أطلق عليه نظام سلطة الشعب و قد راهن على ان تحتذي به دولا أخرى لما فيه تطبيق مباشر لمبدأ الديمقراطية.
عاش القذافي سابق عصره بسنوات ضوئية ، حتى خيل لمتابعيه من عامة الشعوب أنه مجنون ، و للأسف هذا كان نتيجة هجوم الآلة الإعلامية الغربية عليه لأنه باختصار لم يكن يوما حجرا على رقعة الشطرنج ، و لم يخضع للأشرار بل استمر في نزال معهم حتى اخر يوم في عمره الى ان ارتقى شهيدا .
بعد استشهاد القذافي بدأت الحقائق تتكشف في كل حدث يحدث في العالم العربي او الغربي او الشرقي ، بإشارة او دلالة لكلمة او خطاب سابق لمعمر القذافي ، و هذا لم يكن سحر او تنجيم و انما نتيجة فهم عميق لطبيعة العالم و من يحكموه و خططتهم التي ظنوا انها تخيل على العالم أجمع و لكنها لم تخيل على القذافي .
أسباب قتل الغرب للقذافي كثيرة و معروفة ، ولكن ماذا فعل هذا الرجل لشعبه لكي يقابله البعض منهم بالنكران ، الجماهيرية كانت دولة هادئة مستقرة يأتيها رزقها رغدا ، و كانت توفر معظم الخدمات الحيايتة اليومية للشعب الليبي بشكل مجاني تقريبا او مقابل مبالغ رمزية جدا ، عندما كان متوسط الرواتب 300$ كان لدى الشعب الليبي أحدث السيارات الفارهه ، و احدث صيحات الموضه ، و لكل مواطن بيته و مسكنه الخاص الذي تعينه الدولة على بناءه ، اذا لماذا ثار الشعب الليبي على معمر القذافي ؟
ربما لأنها إرادة امريكية غربية ، ربما لأنهم استخدموا عملاؤهم من الليبيين أنفسهم ليخترقوا الصف الوطني الليبي ويحدثوا الفوضى ، ربما لأن الشعب الليبي و على مدار 40 عاما لم يفهم و لم يعي ما يقوله العقيد الراحل في خطاباته و كلماته و كتبه ، ربما لأنه كان هناك فارق سنوات ضوئية بين ثقافة الرجل و ثقافة الشعب ، ثقافة الراعي ، و ثقافة الرعية .
“كان القذافي بمثابة الذئب الراعي للأمة الليبية الأمين على شعبها و أرضها وثرواتها ، و ما ان تخلصوا منه حتى تكالبت على ليبيا الأمم ، و غرقت البلاد في الفوضى و تحولت لغابة يحتلها اللصوص و المافيات و قطاع الطرق ، اترون مايحدث نقمة من الله بعد التمرد على الحامي الأمين ؟ “