جريمة استشهاد المقاتل المصرى، التى وقعت يوم الاثنين الماضى خلال الاشتباكات على الشريط الحدودى فى رفح، تزيد الأوضاع تعقيدا، وربما تؤدى إلى تدهور الأمور فى ظل تفاقم الأزمة الانسانية والأمنية على الحدود المصرية مع قطاع غزة، فى وقت يلتزم فيه رجال القوات المسلحة بأعلى درجات الجاهزية وضبط النفس خلال تنفيذ مهام تأمين الحدود. وأصدرت مصر تحذيرا شديدا من المساس بأمن وسلامة عناصر التأمين المصرية المنتشرة على طول الحدود من رفح شمالا وحتى طابا جنوبا بطول 260 كيلو مترا. وتتعرض مصر لأول مرة فى تاريخها لتحديات غير مسبوقة، وخلال فترة زمنية ممتدة على ثلاث جبهات جميعها غير مستقرة، وإحداها تتصاعد يوميا بشكل كبير وهى حدودنا الشمالية الشرقية مع قطاع غزة وإسرائيل، وما يطمئن الشعب المصرى والجبهة الداخلية صلابة وقوة القوات المسلحة وجاهزيتها على الدوام. فلن تسمح أبدا بتهديد أمنها القومى وإذا أُجبرت على أمر ما فلديها القدرة والقوة للرد على الفور، ولكن من الأهمية لنا جميعا، أن تكون لدينا الثقة فى قواتنا المسلحة، والقيادة السياسية، فالدولة تمتلك رؤية ثاقبة وواعية وحكيمة ولا تستجيب لأى ضغوط أو الزج بالقوات المسلحة لأمور معينة، ومصر طوال تاريخها لا تعتدى أو تتدخل فى الشئون الداخلية للدول، لكنها فى الوقت نفسه لن تسمح أبدا لأحد أن يهدد أمنها القومي. وإذا حاولت إسرائيل الاعتداء على السيادة المصرية فهذا يعنى أنها قررت تهديد معاهدة السلام الموقعة بين البلدين فى 26 مارس عام 1979.
وبالتالى فمصلحة إسرائيل أولا أن تحافظ على السلام مع مصر، وأن تظل هذه المعاهدة راسخة، ويدور الحديث فى الإعلام الإسرائيلى عن أسباب المناورة بالذخيرة الحية التى نفذتها وحدات الجيش الثانى الميدانى قبل عدة أيام بحضور الفريق أول محمد زكى القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والفريق أسامة عسكر رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعما إذا كانت هذه المناورة المتقدمة رسالة لإسرائيل، ولنضع الأمور فى نصابها، فإن القوات المسلحة تقوم بالتدريبات طوال العام لكل الجيوش والمناطق، لرفع الكفاءة القتالية، وما يشهده العالم وحدودنا المختلفة من تطورات وحروب وصراعات لها تأثير مباشر على الأمن القومى، فهذه الأوضاع تتطلب أن يكون الجيش المصرى جاهزا ــ كعادته ــ لتأمين الحدود على جميع الاتجاهات الإستراتيجية ومواجهة أى تحديات، ونجحت القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة المدنية خلال السنوات الماضية فى تطهير مصر خاصة شمال سيناء من الإرهاب، ويتولى سلاح المهندسين العسكريين تطهير الأرض من مخلفات الإرهاب والعبوات الناسفة، وتم الانتهاء بنجاح من تطهير نحو 110 آلاف فدان ضمن المرحلة الأولى، وستتم تنمية هذه المساحات وزراعتها ثم الانتهاء فى الفترة القريبة من نحو 65 ألف فدان لتصبح جاهزة للزراعة والمشروعات التنموية التى تنفذها الدولة فى شمال سيناء، وتبدأ مرحلة جديدة بسواعد الرجال لتستوعب أكثر من مليونى مواطن يعيشون على أرض سيناء خلال السنوات القادمة مع توفير كل سبل الحياة، وستكون سيناء منطقة جاذبة مع افتتاح المطار الدولى فى العريش، ووصول القطارات إلى بئر العبد ثم العريش وطابا وهى الممرات المهمة للربط بين جميع ربوع الوطن. علينا الاطمئنان والثقة فى أبطالنا، ولكن مسئولية كل مواطن أن يكون لديه الحرص والوعى الشديدين فى الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، فمصر لا تتحمل – لا قدر الله – فوضى جديدة كما جرى فى يناير 2011 وتأثيراتها الممتدة على الوطن حتى اليوم، فقدرتنا على الصبر والتحمل للظروف الصعبة التى يمر بها العالم وفى القلب منه مصر والتأثيرات الاقتصادية والأزمات الخاصة بالأسعار والطاقة وغيرها من تحديات مؤقتة سوف نتجاوزها مع العمل الجاد فى الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والسياحة لتوفير حاجة السوق المحلية والعمل على التصدير للوصول إلى 145 مليار دولار صادرات وتقليل فاتورة الواردات والتى تستنزف موارد الدولة، وتكثيف الصناعات المحلية لمواجهة متطلبات السوق والزيادة السكانية التى نعانيها بشدة ويتوقع وصول عدد سكان مصر بعد 6 سنوات إلى قرابة 120 مليونا، وهو ما يتطلب مضاعفة الإنتاج والتصدير مع الجذب السياحى لنصل إلى 40 – 50 مليون سائح إن بناء أى دولة يكون بالعمل الجاد والتحمل والصبر وليس بالكلمات، ولدينا تجربة الصين الفريدة، ومعها الهند، وكيف تحملت الشعوب سنوات طويلة من المعاناة وانطلقوا بعدها، وأصبحوا اليوم فى مقدمة دول العالم فى التصنيع والتصدير والتكنولوجيا.
رسالتى إلى شعب مصر العظيم: اطمئنوا على قواتكم المسلحة .. مصر فى يد أمينة.