المطلوب فلسطينيًا الآن، وبدون تلكؤ: وحدة القيادة ووحدة الموقف والخطاب
السيد الرئيس محمود عباس (أبو مازن) المحترم،
أما بعد،
تعلمنا تجارب حركات تحرر الشعوب على مر التاريخ المعاصر دروسًا حول شروط وقوانين تحقيق أهدافها الوطنية. وأهم تلك القوانين أو الشروط أمران: أولهما يتعلق بتحديد مَنْ هو معسكر الأعداء والخصوم، ومَنْ هو معسكر الأصدقاء والحلفاء. وثانيهما يتعلق بالوحدة الوطنية لحركات التحرر تلك. ورغم الأهمية القصوى للأمر الأول، خاصة أننا لا نلتزم بمقتضياته ولا نسير على ضوئه، طالما أن سلوكنا السياسي اليومي وسلوكنا الإستراتيجي لا ينسجمان ولا يتطابقان مع حقيقة وواقع مَنْ هم معسكرَيْ الأعداء والأصدقاء، إلا أنني أجد أن اللحظة التاريخية التي تقف فيها قضيتنا أمام مفترق طرق حقيقي ومصيري تفرض علينا إعطاء الأولوية والمسارعة إلى ترتيب بيتنا الداخلي بتمتين أواصر وحدتنا الوطنية.
السيد الرئيس، لقد كان ترحيبنا كبيرًا، بما جاء في كلمتك التلفزيونية في ذكرى راحلنا الشهيد ياسر عرفات، عندما ذكرت أنه على الجميع أن يتحلى بالمسؤولية والتمسك بالوحدة الوطنية ورص الصفوف. لقد أصابت هذه الكلمات، عين الحقيقة يا سيادة الرئيس، فإننا في حاجة لرص الصفوف والوحدة الوطنية، أكثر من أي شعب آخر على وجه الأرض. والسؤال المركزي هنا لماذا لا يأخذ السيد الرئيس المبادرة نحو ذلك، نحو اتخاذ الخطوة الحاسمة باتجاه الوحدة الوطنية ورص الصفوف؟ مَنْ غيرك بقادر على أخذ هكذا مبادرة، ومن غيرك يتحمل اتخاذ القرار بهكذا مسؤولية وطنية عليا من الدرجة الأولى؟ إنها مسؤولية تاريخية بامتياز. فلماذا تتردد في اتخاذ هذه الخطوة التي لا بديل عنها في هذه الظروف المصيرية إنفاذًا لدعوتك لنا بالتحلي بالمسؤولية والتمسك بالوحدة الوطنية ورص الصفوف. ماذا يمنعك من توجيه دعوة فورية إلى تشكيل إطار وطني موسع ليكون بمنزلة جبهة إنقاذ وطنية عريضة تشمل كافة القوى الوطنية، سواء مَنْ هي داخل إطار م. ت. ف. أم خارجها، إضافة إلى تمثيل وازن للمجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية والحراكات الشبابية والنسوية وشخصيات وطنية مستقلة وممثلين عن القطاع الخاص.
السيد الرئيس، إن الشعوب لا تغفر، كما أن التاريخ لا يرحم قادة لا يلتقطون متطلبات اللحظات المصيرية في تاريخ شعوبهم. وأقولها بكل صراحة وبكل صدق واحترام إن إسراعكم بأخذ زمام هذه المبادرة لرص الصفوف والوحدة الوطنية وتشكيل الإطار القيادي الموسع إنما تشكل حماية لكم، كقيادة، من كل الضغوط الخارجية التي تُمارس الآن عليكم، والتي سوف تشتد في قادم الأيام، والتي قد لا يكون باستطاعتكم مقاومتها منفردين بدون درع الوحدة الوطنية .
وأخيرًا وليس آخرًا، اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أُضيف بُعدًا آخر ومغزىً آخر لتشكيل الإطار القيادي الموسع يتعلق بالشرعية، بالإضافة إلى كونه يشكل درعًا حاميًا من الضغوط الخارجية. فصحيحٌ تمامًا أن م. ت. ف.، كمنظمة وككيان معنوي، أجل “المنظمة” هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. لكن شخوص قيادات م. ت. ف. لا يتمتعون بتخويل مفتوح زمنيًا لممارسة القيادة، بل هو تخويل محدد زمنيًا لممارسة هذه القيادة. والمفروض أن هذا التخويل يُجدد دوريًا عبر صندوق الانتخابات. ولذلك أعتقد وبقناعة صادقة وموضوعية أن مبادرتكم السريعة نحو تشكيل الإطار القيادي الوطني الموسع على النحو المذكور إنما يمنحكم وقيادات م. ت. ف. تمديدًا لنوع من الشرعية إلى أن يُتاح للشعب الفلسطيني بأكمله فرصة إجراء انتخابات حرة ونزيهة في قادم الأيام من أجل انتخاب مجلس وطني جديد. علمًا أن آخر مرة مارس فيها شعبنا في الضفة وغزة عملية انتخابات عامة كانت سنة 2006.