أشرت في مقال “التطبيع مع الشذوذ و العلاقات الرضائية و غيرها من الموبقات .. لا ينفصل عن مسار التطبيع العلني و الخفي مع الكيان الصهيوني..” إلى أن قمة الذل و العار بالمنامة، عجزت عن قول كلمة طيبة في حق مقاومة باسلة هزمت أعتى الجيوش و قاومته ببطولة و شجاعة لمدة تزيد عن 220 يوما ، و لازالت المقاومة -و لله الحمد-تكبده الخسائر و لم ترفع الراية البيضاء” كما فعلت قمة “الندامة” بالمنامة، و التي جعلت من التطبيع مع الكيان الصهيوني خيار إستراتيجي ، و إعتبرت الفعل المقاوم تهديد للأمن و الاستقرار..لذلك، فإن ما يتم اتخاذه و اعتماده من قرارات سياسية باسم التعايش و التسامح و التعددية الثقافية و الانفتاح على الحضارات و الأديان و المساواة بين الجنسين و الجندر و حقوق المرأة و حقوق الأطفال و غيرها من الشعارات ماهي إلى تنفيذ لأجندات و سياسات شيطانية –دجالية..
فـأكبر خلل في منظومتنا الثقافية و القيمية، أن أصحاب الحق و أنصار القضية العادلة لا يخرجون لنصرة قضاياهم و لا يفرضون معادلتهم على أرض الواقع، خذ على سبيل المثال القضية الفلسطينية، فلهذه القضية شخص شبيه بالكاتب السعودي ” أسامة المسلم” ، ألا وهو “محمود عباس” “أبو مازن” ، الذي بدوره يقدم بضاعته الإستسلامية و الاستسهالية، لأصحاب القلوب الضعيفة و الإرادات العاجزة و الهمم الواهنة ، و يمنيهم ب”شيكلات صهيونية” مقابل العمل و الخضوع لأوليغارشية “نتنة بنيامينية” …
و لكن هذه المعادلة التي طرحت قهرا على موائد “أوسلو” و “مدريد” إبتداءا من عقد تسعينات القرن الماضي ، تحت عنوان “غزة أريحا أولا” ، بارت و كسدت، تعفنت و بدى عوارها، و انكشف مكرها، و إنجلى زيفها، و تحولت عهودها و وعودها لأحلام و أوهام..!!
و ما كان ذلك ليحدث لولا انتفاضات الأقصى، على يد المقاومة الإسلامية إبتداءا، و المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها بشكل عام، المقاومة الباسلة الحاملة للبندقية أكثر من حملها و إتكالها على ” غصن الزيتون.. وتبعا لذلك، استطاعت أقلام وأقدام المقاومة أن تفرض وجهة نظرها على طاولات و ساحات و شاشات و مدرجات العالم أجمع، و أن ترفع شعار ” الأقصى أولا”..
فعملية السابع من أكتوبر أزالت الغبار عن القضية الفلسطينية و أعادتها للواجهة بعد جهود بدلت لإقبارها و دفنها، و أماطت اللثام عن عدالة القضية ..كما إختارت المقاومة الوقت الدقيق لعرض خياراتها و بدائلها و كشف قدراتها ..حيث اسقطت جدار العار و أسرت أسرى العدو الذي لا يقهر في سويعات قليلة ، كما أسقطت أقنعت العملاء و الخونة و المتصهينين العرب .. الذين لم يخجلوا في قمة ” الندامة” من توجيه الاتهام تلو الأخر للمقاومة و لحركة حماس، متهمين حماس بأنها “خلقت الذرائع “للكيان الصهيوني ” من أجل ضرب غزة و باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة ” ، فهل كان الكيان المجرم في حاجة إلى ذرائع من أجل تنفيذ فضائعه و جرائمه ؟ هل نسي هؤلاء جرائم العدو منذ 1974 إلى يومنا هذا ؟!
إن ما جرى في قمة ” الندامة” لم يخرج عن ما تعودنا عليه في كل القمم السابقة، و خاصة منذ قمة بيروت 2002، التي أقرت مبادرة السلام العربية ، المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية، لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بين الكيان الصهيوني و الفلسطينيين.. المبادرة التي كانت من بنات أفكار الكاتب الأمريكي ” توماس فريدمان”!! المبادرة التي رفضتها حكومة إسرائيل في المهد و منذ الساعات الأولى من إعلانها، و مع ذلك تشبت بها القادة العرب و أعادوا طرحها مجددا في 2007 و رفضها “النتن ياهو “!!
و لكن هذه الزعامات و النخب “الورقية” ، تقابلها قواعد شعبية عريضة ممانعة، تدرك أن القرار العربي ليس بيد الحاضرين بكراسي القمة ، و إنما بيد شبابها و نساءها و رجالها و بيد شهدائها الذين تركوا وصاياهم و مفاتيح خلاص أمتهم بيد أبنائهم و أحفادهم ، هذا هو مصدر القرار الحقيقي ، و هذه الأمة -رغم حالة الوهن الظاهر- إلا أنها ترفض تسليم مقاليدها لحكام الشرق أو الغرب ، بل ستعمل على صناعة أدوات مقاومتها بيدها ، و ستنفذ عملياتها التحررية بسواعد أبناءها و من بنات أفكارها ، و ستتحمل معها الشعوب العربية و المسلمة كل التبعات حبا و طواعية مهما كان حجم التضحيات..
بمعنى لا ينبغي الاستسلام لخطابات و مخططات و أقوال “أصحاب الفخامة و المهابة” فهؤلاء منفصلين عن هموم شعوبهم ، و عاجزين عن حماية أنفسهم ، و هذا ما قاله السيد “ترامب” بكل وضوح عندما كان رئيسا لأمريكا!!فهؤلاء لن يجدوا أمامهم ساعة الحقيقة سوى الهروب ، على غرار ما فعل زين العابدين و الرئيس الأفغاني و قبلهما شاه إيران و اللائحة طويلة ..
و لكن في مقابل هذه الزعامات ” العاجزة” و المنفصلة عن الواقع و غير المدركة لحجم التحولات التي حدثت و تحدث على الأرض و خاصة بعد عملية طوفان الأقصى، هناك قادة جدد في عالمنا العربي و الإسلامي و غيره من العوالم و خاصة في إفريقيا و أمريكا اللاتينية ، يعلنون التحاقهم و اصطفافهم و انحيازهم للحق و للعدل و للمقاومة ، و يخرجون من عباءة الهيمنة الصهيو-أمريكية ، هؤلاء القادة النجباء استشرفوا من الان أفق المعركة و أن النصر سيكون حليف المقاومة، ليس الفلسطينية فقط، و إنما المقاومة الشعبية بمفهوم أوسع و بإمتداد كوني ، المقاومة الرافضة للانبطاح و المساومات السياسية و الكيل بمكيالين ، المقاومة المعادية للاستغلال و للاستعباد ، الكارهة للخضوع المذل لمنطق الدولار و لمظلة الإمبريالية و الوصاية الغربية ، المدركة لخطورة الأجندات السوداء التي يتم تنفيذها من قلب عاصمة الإجرام الدجالي ” تل أبيب” ..و حتى لا أطيل عليكم سأرحل هذا النقاش للمقال الموالي .. والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..